صباح الخير يا وطن.......لمحات من الذاكرة

*********************************
صباح الخير يا وطن.......لمحات من الذاكرة



صباح الخير يا وطن




ينتفض النهار نشيطا في القرية الفلسطينية يغسل الوجود بقطرات الندى ويهيئ ازهار عباد الشمس للدوران لاستقبال يوم جديد، وسرعان ما تنشر النساء الوقار في الطرقات في همسهن لتبادل التحية بالصباحات الخيرة المتبوعة بالدعوات، والكل على عجلة من امره ، فهذه التي تسابق الزمن وهي تحمل العجين في طريقها الى التنور لاعداد الخبز قبل موعد انطلاق الزوج الى العمل وتلك التي تقف على عتبات الجب (البئر) تجذب الحبل بقوة لاحضار الماء والاخرى التي تهمس لمن في البيت وتحثهم على النهوض لحلب الشياه ، فمع ان الشمس لم تبزغ بعد الا ان التهويل في بزوغها يوصلها الى كبد السماء ، وصيغ المبالغة تاخذ دورها في التنشيط ، وما ان يهدأ ايقاع الحياة


السريع قليلا حتى تدب الحياة في الشوارع من جديد وفق البرنامج المعد مسبقا لتلبية المتطلبات الملحة اولا ،فتمتلئ الشوارع برائحة خبز التنور ، ،ويزيد من هذا الايقاع المتسارع اصوات اجراس النحاس المعلقة في رقاب الشياه _ والذي يستعمل عادة لابعاد الافاعي عن القطيع_ في طريقهن للمراعي ويختلط باصوات الرجال لحظة خروجهم من البيوت والتي تنطلق بالتهليل والتكبير ،فترى الجميع ينطلق وهو مستبشر بيومه الجديد ينطلق الى ارضه وكانه في شوق لكل شجرة فيها ولكل شتلة ، يدفعه الحنين اليها مع ان الشمس اغمضت جفونها في اليوم السابق والاشجار تتراقص وتتمايل من على جنباته.

ما هي الا دقائق معدودة حتى يخيم الصمت الثقيل على المحيط وتتوقف عجلة الزمن عن الدوران، يدفعك ثقل الصمت ولوحات الطبيعة الخلابة الممتدة بالافق للانطلاق،وسرعان ما تكتشف أن الحياة انتقلت الى الحقول والمراعي فهذا الذي يبحث بين حقول القمح عن شتلات دخيلة يقتلعها لكي لا يختلط الحب بالزؤان مع ايام الحصيد وكان الارض تعلمنا قوانينها مع الدخلاء، وذاك الذي يجتهد في تسنيد وتقويم اشجاره الصغيرة لكي تقوم منتصبة قوية ،تغريك المناظر في التجوال بين اشجار التين وكروم العنب واشجار اللوز والزيتون ،وما ان تهدأ حتى ياسرك صوت راعي تتلاعب اصابعه بالهواء المنبعث من( شبابته ) يتقلب فيها بين العتابا والميجانا وتبدأ الخراف الصغيرة بالانطلاق بين امهاتها وكانها تحث الراعي على المزيد وتصنع لوحة راقصة تفوق كل وصف

تنصت اليه وتاخذ دقات قلبك تتلائم مع نغماته تبقى مشدوها حتى ينطلق بلحن حزين فيشدك الى عالمه ويجرفك سيل نغماته الى كل مفقود من حياتك وكفلسطيني تخيم عليك احزان الوطن ،تندهش من قدرته على توحدك معه ،تبقى مع صوته الى ان يبعث زفرة منه وكانها الحد الفاصل بين عالمين عالمه الخاص والذي عبر عنه بنغماته والعالم الواقعي الذي يشاركه فيه كل بني البشر .

وما ان يلمح طرفك قادم اليه حتى ينهض مرحبا وما ان تتجاذب معه اطراف الحديث حول الحانه حتى تشعر بالسعادة تكسو ملامحه واذا ما اشرت الى لحنه الحزين حتى يعتريه الخجل وكان الحزن في قاموسه كرجل يفضح رجولته ،تغريك معاملته ووده بطلب ان يعزف لحنا ولكنه يفتح ( زوادته) ويجمع ما جادت به الارض من خيرات يزين بها مائدته ليدعوك للفطور بعد شد وجذب يدعك وشانك تتركه ليتناول فطوره ،تدور بالقرب منه حتى ينتهي ومن ان تلوح له بالوداع وتاخذ خطواتك بالابتعاد قليلا عنه حتى تلاحقك نغماته وكأنها عنوان محبة وود لا ينقطع ....وتختزن في الذاكرة هذه الصورة ويعلو صوتك وانت تردد

صباح الخير يا وطن